فصل: بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ



.سورة الْمُمْتَحَنَةِ:

حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
فِيهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ:

.أُولَاهُنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَخْصُوصَةٌ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ فِي حُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ لَمْ يَقْضِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَامَّةٌ مُحْكَمَةٌ فَمِمَّنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ قَتَادَةُ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] قَالَ: نَسَخَهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمُ} [التوبة: 5].
وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مُجَاهِدٍ قَالَ: {وَالَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الَّذِينَ آمَنُوا وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: هُمْ خُزَاعَةُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ خُزَاعَةُ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ.
{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] قَالَ: تُوَفُّوا لَهُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّهَا عَامَّةٌ مُحْكَمَةٌ قَوْلٌ حَسَنٌ بَيِّنٌ.
وفيه أَرْبَعُ حُجَجٍ مِنْهَا: أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَطْعُونٌ فِيهَا،؛ لِأَنَّ قَوْلَ قَتَادَةَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَدْ رُدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لَيْسَ بِعَامٍّ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ثُمَّ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَصَارَتِ الْآيَةُ لِبَعْضِ السُّرَّاقِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤهُ فَكَذَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] قَدْ خَرَجَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِنْ أَدَّوُا الْجِزْيَةَ، وَخَرَجَ مِنْهُ الرَّسُولُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَبُو وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَافَاهُ رَسُولَانِ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُمَا: «أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَا: أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ لَوْلَا أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا» وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْعَسِيفِ.
فَهَذَا كُلُّهُ خَارِجٌ مِنَ الْآيَةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] عَلَى مَا أُمِرْتُمْ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنَ الْإِقْسَاطِ إِلَيْهِمْ وَهُوَ الْعَدْلُ فِيهِمْ، وَمِنْ بِرِّهِمْ أَيِ: الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ بِوَعْظِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ ثَابِتًا، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعُ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا بَعُدَ وَجَبَ أَنْ لَا يُقَاتَلَ حَتَّى يُدْعَى وَيُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَهَذَا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ، عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا إِلَى بِلَادِ الرُّومِ أَمَرَهُمْ أَلَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَدْعُوا مَنْ عَزَمُوا عَلَى قِتَالِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي كُلِّ مَنْ عُزِمَ عَلَى قِتَالِهِ وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ وَقَوْلُ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، ورَبِيعَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ: لَا يُدْعَى مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا مَطْعُونٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] وَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ فَلَيْسَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يُرَدُّ بِهَذَا فَصَحَّ الْقَوْلُ الرَّابِعُ.
وفيه مِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا أَنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ أَوْ قَرَابَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَنْهِيُّ عَنْهُ وَلَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ دِينِهِ بِسِلَاحٍ وَلَا كُرَاعٍ وَلَا فِيهِ إِظْهَارُ عَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ إِذَا جَاءَ عَنْ صَحَابِيٍّ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا مُخَالَفُتُهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَعَ قَوْلِهِ تَوْقِيفٌ بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِّي أُمَّكِ».
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةِ الْعُزَّى بْنِ أَسْعَدَ عَلَى ابْنَتَهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا: سَمْنٍ وَتَمْرٍ وَقَرَظٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهَا وَلَمْ تَدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا فَسَأَلْتُ لَهَا عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمُ} [الممتحنة: 8].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَقَدْ بَانَ مَا قُلْنَا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحُجَجِ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ:

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10].
فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ عَلَيْهِ قُرَيْشًا: أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، فَنَقَضَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا فِي النِّسَاءِ وَنَسَخَهُ وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَاءَتْهُمُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مُهَاجِرَةً امْتَحَنُوهَا فَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَرُدُّوهَا إِلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هَذَا: بِأَنَّ الْقُرْآنَ يَنْسَخُ السُّنَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَهَذَا كُلَّهُ مَنْسُوخٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ الْكُفَّارَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُقِيمَ مُسْلِمٌ بِأَرْضِ الشِّرْكِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَاخْتَلَفُوا فِي التِّجَارَةِ إِلَى أَرْضِ الشِّرْكِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ خَبَرُ صُلْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النَّسْخِ، وَالْأَحْكَامِ وَالْفَوَائِدِ.
فَمَنْ ذَلِكَ مَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ بَعْدُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةَ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا ثُمَّ بَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ وَذَكَرَ كَلِمَةً بِمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بِتَمَامِهِ، فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا ثُمَّ قَالَ: فَرَاحُوا يَعْنِي: حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ»، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِغَبَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيْهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ أَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ إِنَّمَا تَبَرَّضَهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا فَلَمْ تَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ فَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ خُزَاعَةَ وَكَانَ عَيْبَةُ نَصَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ لِإِعْدَادِ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعَودُ الْمَطَافِيلُ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ فَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرُ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ» فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا إِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تَحَدَّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ: أَيْ قَوْمِي أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ عَلَيْكُمْ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتُ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنَّ تَكُنِ الْأُخْرَى فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْبَاشًا مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَيْ غَدَرُ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرِتِكَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ قَدْ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ»، ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَتَنَخَّمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يَحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِي وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيَّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهُ إِنْ يَنْتَخِمُ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمَرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا فُلَانٌ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ» فَبُعِثِتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّاأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍ وفَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا الْكَاتِبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تُكْتَبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ مَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُهُ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا يَسْأَلُونَنِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ: «أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ نَطُوفُ بِهِ»، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍ و: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكُ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍ وَهُوَ يَرْسِفُ فِي قُيُودِهِ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذَنْ لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ «فَأَجِزْهُ لِي»، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزُهُ لَكَ، قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ» قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَقَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى، قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلَا تَرَوْنَ مَاذَا لَقِيتُ - وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ، قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي»، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ قَدْ وَعَدْتَنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى؛ أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكَ تَأْتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ»، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَوَ لَيْسَ كَانَ يُحَدَّثَنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟، قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًافَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى تَنْحَرَ وَتَحْلِقُ، فَخَرَجَ فَنَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَا لَهُ فِي الشِّرْكِ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وعُتْبَةُ بْنُ أَسَدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، قَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْأَخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأْي هَذَا ذُعْرًا»، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَتَلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ»، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ قَالَ: فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لِا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمَنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] حَتَّى بَلَغَ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْأَحْكَامِ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْآدَابِ وَالْأَحْكَامِ مِنَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ نَيْفٌ وَثَلَاثُونَ مَوْضِعًا نَذْكُرُ مِنْهَا مَوْضِعًا مَوْضِعًا إِنَّ شَاءَ اللَّهُ. فَمَنْ ذَلِكَ الْوقُوفُ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] وَإِنَّ الْبِضْعَ يَقَعُ لِأَرْبَعٍ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَإِنَّ الْمِائَةَ تُعَدُ عَدَدَ الْوَاحِدَةِ.
وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ سَنَةَ سِتٍّ ثُمَّ أَقَامَ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا رَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وفيه أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَمِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ الْإِنْسَانُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَمَلِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ.
قِيلَ: هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌ لِمَنْ كَانَ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ كَمَا رُوِيَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمَهُلُّهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَهْلُهُ» كَمَا يُهِلُّ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ.
وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ الْبُدْنَ فَكَانَتْ هَذِهِ سُنَّةً عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُ الْكُوفِيُّونَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِشْعَارُ الْبُدْنِ وَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ بِيَدَيْهِ وَأَشْعَرَهُ ثُمَّ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّهُ لَهُ وَبَعَثَ بِالْهَدْيِ مَعَ أَبِي».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُ الْكُوفِيُّونَ لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا: أَنَّ الْإِشْعَارَ مَنْسُوخٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ، وَنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ إِنَّمَا كَانَ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ وَقِيلَ فِي وَقْعَةِ خَيْبَرَ، وَحَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ الْإِشْعَارُ بَعْدُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَنْسَخَ الْأَوَّلُ الْآخِرَ وَقَدْ كَانَ الْإِشْعَارُ أَيْضًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وفيه أَيْضًا سُنَّةُ التَّقْلِيدِ.
وفيه أَنَّ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
وفيه السُّنَّةُ فِي التَّوْجِيهِ بِعَيْنٍ إِلَى الْعَدُوِّ.
وفيه التَّوْجِيهِ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُسَافَرَ وَحْدَهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ.
وفيه أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاحِدِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «مَنْ يَعْرِفُ لَنَا خَبَرَ الْقَوْمِ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيُّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ».
وفيه: الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَقْبُولٌ مَا وَجَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاحِدٍ لِيُخْبِرَهُ بِخَبَرِ الْقُومِ.
وفيه: مُشَاوَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: فَعَلَ ذَلِكَ لِتَسْتَنَّ بِهِ أُمَّتُهُ، وَمَا شَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَشُورَةَ نِصْفُ الْعَقْلِ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وفيه: مَشُورَةُ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَيَنْحَرَ وَيَحْلِقَ، لِأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَ فِعْلَهُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ لَيْسَ فِي الْمَشُورَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْوَلَايَةِ.
وفيه: السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا».
وفيه: أَنَّ مَنَ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ فَلَمْ يُحْرِمْ عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وفيه: إِبَاحَةُ سَبْي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَأَعَانُوا مُشْرِكِينَ آخَرِينَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ: «أَتَرَوْنَ أَنَّ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ».
وفيه: إِجَازَةُ قِتَالِ الْمُحْرِمِ مَنْ صَدَّهُ عَنِ الْبَيْتِ وَمَنْعَهُ مِنْ نُسُكِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ».
وفيه: قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونَنِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا أَجْوِبَةٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا شَيْئًا قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ كَذَا فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا أُمِرَ بِالِاسْتَثْنَاءِ فِيمَا يَخَافُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ حَذْفًا لَعِلْمِ السَّامِعِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ الْمُحَدِّثُ، أَوْ جَرَى عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ.
وفيه: إِعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّهْمَ لِأَصْحَابِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ فِي الْمَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَازْدِيَادِهِمْ بَصِيرَةً.
وفيه: إِجَازَةُ مُهَادَنَةِ الْمُشْرِكِينَ بِلَا مَالٍ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ ثَمَّ ضَعْفٌ.
وفيه: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ قَالَ: هَادِنْهَمْ عَشْرَ سِنِينَ. فَعَمِلَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَقَالُوا: لَا تَجُوزُ الْمُهَادَنَةُ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ إِذَا كَانَ ثَمَّ خَوْفٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يَفْعَلُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ.
وفيه: إِجَازَةُ مُهَادَنَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا فِيهِ ضَعْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا إِلَّا: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَا لَمَّا قَالُوا: لَا تَكْتَبُ إِلَّا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وفيه: مِنَ الْمَشْكِلِ أَنَّهُ قَاضَاهُمْ عَلَى أَنَّهُ: مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَيْهِمْ حَتَّى نَفَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ هَذَا مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى ثَبَّتَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْفِعْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِقِلَّةِ أَصْحَابِهِ وَكَثْرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ قُرَيْشٍ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ، وَأَنْ يُقَوِّيَ أَصْحَابَهُ وَمِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِيهِ: وَهُوَ مُذْهِبُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَثُرَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ لَا يُخَاطِبُ أَحَدًا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ إِلَّا أَسْلَمَ فَمَعْنَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّ مِنْهُمَ مَنْ سَيُسْلِمُ وَأَنَّ فِي هَذَا الصَّلَاحَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي رَدِّهِ مَنْ أَسْلَمَ إِلَيْهِمْ إِلَّا أَحَدُأَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْتَنَ فَيَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ بِقَلْبِهِ فَالْوِزْرُ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يُعَذَّبَ فِي اللَّهِ فَيُثَابَ، عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا بِحَيِّ أَهَالِيهِمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ فَهُمْ مُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّ فِيَ ذَلِكَ الصَّلَاحِ إِحْمَادَهُمُ الْعَاقِبَةَ بِأَنْ سَأَلَ الْكُفَّارُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُوزُوا إِلَيْهِمْ كُلَّ مَنْ أَسْلَمُوا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا أَعْصِيهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وفيه تَبْيِينُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشَرَائِعِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ عُمَرُ بِمِثْلِ جَوَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَّتَهُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ كَرَاهَةً لِإِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
وفيه: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ فِي هَذَا الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ: هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ، قَالَ: لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ نَفْيًا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: هَذَا إِغْفَالٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: 53].
وفيه: إِجَازَةُ صُلْحِ الْإِمَامِ لِوَاحِدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ جَمِيعِهِمْ،؛ لِأَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍ وَهُوَ الَّذِي صَالَحَ.
وفيه: اسْتِحْبَابُ الْفَأْلِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ: «قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمَرَكُمْ».
وفيه: إِجَازَةُ قِيَامِ النَّاسِ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ بِالسُّيُوفِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ تَرْهِيبًا لِلْعَدُوِّ وَمَخَافَةً لِلْغَدْرِ،؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَهُ الْمُغِيرَةُ بِنَعْلِ - سَيْفِهِ، وَقَالَ لَهُ أَخِّرْ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَعَ يَدَهُ.
وفيه: خَبَرُ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ مَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا إِسْلَامُكَ فَأَقْبَلُهُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ»، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ مَغْنُومَةً عِنْدَ الْقَهْرِ فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا عِنْدَ الْأَمْنِ، وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مُصَاحِبًا لَهُمْ فَقَدْ أَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، فَسَفْكُ الدِّمَاءِ وَأَخْذُ الْمَالِ عِنْدَ ذَلِكَ غَدْرٌ، وَالْغَدْرُ مُحْظَورٌ، وَأَمْوَالُ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَارِ لَهُمْ يَسْتَوونَ فِي ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا بِالْحَقِّ.
وفيه: طَهَارَةُ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَنَخَّمَ: مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ النُّخَامَةَ فَيَحُكُّ بِهَا جِلْدَهُ، عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: أَنَّ النُّخَامَةَ إِذَا سَقَطَتْ فِي مَاءٍ اهْرِيقَ.
وفيه: مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّكَ تَأْتِيهِ»، فَدُلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ: مَنْ حَلَفَ عَلَى فَعْلٍ وَلَمْ يُوجِبْ وَقْتًا أَنَّ وَقْتَهُ أَيَّامُ حَيَاتِهِ.
وفيه: أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَنَحَرَ هَدْيَهُ مَكَانَهُ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فَعَلَ لَمَّا حُصِرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حَلَّ، وَنَحَرَ فِي الْحِلِّ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وفيه: أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا سَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الصُّلْحِ فَلَمْ يُطَالِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لَمَّا لَمْ يُطَالِبْ بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ، فَكَانَ الْحُكْمُ فَكَذَا فِي نَظِيرِ هَذَا.
وفيه: أَنَّهُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يُرَدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ فَلَمَّا اعْتَزَلَ أَبُو بَصِيرٍ بِسَيْفِ الْبَحْرِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ لَمْ يُأْمَرْ بَرْدِهِمْ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ.
وفيه: وَلَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَكَانَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النِّسَاءِ فَلَا نَسْخَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ: وَلَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَأَحَدٌ مُحِيطٌ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسْخَ هَذَا فِي النِّسَاءِ وَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ».
وفيه: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِسَيْفِ الْبَحْرِ وَضَيَّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَف أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24] وَقَدْ رُوِيَ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُمْ فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمُ} [الفتح: 24].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا إِسْنَادٌ مُسْتَقِيمٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ هَذَا الْحَدِيثِ: هَبَطُوا مِنَ التَّنْعِيمِ وَالتَّنْعِيمِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ، وَأَبُو بَصِيرٍ كَانَ بِسَيْفِ الْبَحْرِ، وَسَيْفُ الْبَحْرِ لَيْسَ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الظَّفَرُ بِهِمْ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ظَفَرٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ جَالَسَ إِمَامًا أَوْ عَالِمًا فَرَأَى إِنْسَانًا قَدْ أَلْحَقَهُ مَكْرُوهًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُغِيرَهُ وَيَصُونَ الْإِمَامَ أَوِ الْعَالِمَ عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا أَخَذَ بِلِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفيه: اسْتِعْمَالُ الْحِلْمِ مِنْ أَدَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤهُ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، {وَمَا يَلْقَاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يَلْقَاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَمِنْ حَسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبِرِ عِنْدَ الْجَزَعِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوَّهُمْ {كَأَنَّهُ وَلِيُّ} [فصلت: 35] حَمِيمٌ وَمَا يَلْقَاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يَلْقَاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ قَالَ: الَّذِينَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
وَفِي الْآيَةِ الَّتِي قَصَدْتُ لِذِكْرِهَا {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مَسْلَمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِلَى الْإِمَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِوِكَالَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ، وَالْقَوْلُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وفيه قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَلَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مَسْلَمَةً الْعِوَضَ وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ رَدَّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقِضًا، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِنَّ شَرْطَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إِذْا فِيهِ: أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ، وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا فَفَسَخَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ وَرَدَّ الْعِوَضَ مِنْ فَسْخِ مَنْ فَسَخَهُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَرُدَّ النِّسَاءَ كَانَ شَرْطُ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ مَفْسُوخًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عِوَضٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَفْسُوخُ بَاطِلٌ وَلَا عِوَضَ لِلْبَاطِلِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَهُ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ أَلَا يُعْطَى عِوَضًا وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ نَسْخَ ذَلِكَ فَكَانَ فِي هَذَا نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ وَمَذْهَبُهُ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ لَا يَنْسَخَ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ وَلَا يَنْسَخَ السُّنَّةَ إِلَّا سُنَّةٌ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ لَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ فَنَسَخَتِ السُّنَّةُ السُّنَّةَ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِمَامُ رَدَّ النِّسَاءِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صُلْحِ الْإِمَامِ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا وَهُوَ مَنْسُوخٌ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمٍ فَاعْتَصِمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَقَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَقَامَ مَعَ مُشْرِكٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَرَاءَى نَارَهُمَا» قَالُوا: فَهَذَا نَاسِخٌ لِرَدِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَرِئَ مِمَّنْ أَقَامَ مَعَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْحَكَمَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إِلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فَمَنْ عَقَدَ غَيْرُ الْخَلِيفَةِ هَذَا الْعَقْدَ فَهُوَ مَرْدُودٌ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَفِي هَذَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وَلَوْ كَانَ إِلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ لَمْ تَحِلَّ كَافِرَةٌ بِوَجْهٍ وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مُحْكَمَةٌ إِلَّا أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِذَا أَسْلَمَ وَثَنِيُّ أَوْ مَجُوسِيُّ وَلَمْ تُسْلِمِ امْرَأَتُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْتَظِرُ بِهَا تَمَامَ الْعِدَّةِ فَمِمَّنْ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْتَظَرُ تَمَامُ الْعِدَّةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وعَطَاءٍ، وعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَنْتَظِرُ بِهَا الْعِدَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْتَظِرُ بِهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ إِذَا كَانَا جَمِيعًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا نَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرْتَدُ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ: انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَحُجَّتُهُ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ: أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهَا تَمَامَ الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ فَفِيهِ أَيْضًا اخْتِلَافٌ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَهُوُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْوقُوفُ إِلَى تَمَامِ الْعِدَّةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، قَالَ يَزِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ: أَسْلَمَ جَدِّي وَلَمْ تُسْلِمْ جَدَّتِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وَقَالُوا: لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا إِلَّا بِخِطْبَةٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْكَوَافِرَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلنِّسَاءِ وَلَا يُجْمَعُ كَافِرٌ عَلَى كَوَافِرَ. الْحُجَّةَ فِيهِ {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَزُولُ النِّكَاحُ إِذَا كَانَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَزُولُ النِّكَاحُ بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقْتُهُ. فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَا جَمِيعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ:

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11].
أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ: قَالَ قَتَادَةُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 11] الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] ثُمَّ نَسْخَ هَذَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: انْقَطَعَ هَذَا يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يُعْمَلُ بِهِ الْيَوْمَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 11] الَّذِينَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ {فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] أَيْ: فَاقْتَصَصْتُمْ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] أَيْ: الصَّدَقَاتُ.
فَصَارَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَقَوْلُ قَتَادَةَ: أَنَّهَا فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ حِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ كَمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَكَمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ: قَدْ حَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ إِنْ جَاءَتْكُمُ امْرَأَةٌ مِنَّا أَنْ تُوَجِّهُوا إِلَيْنَا بِصَدَاقِهَا، وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ مِنْكُمْ وَجَّهْنَا إِلَيْكُمْ بِصَدَاقِهَا. فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ: أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْلَمُ لَكُمْ عِنْدَنَا شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ لَنَا عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَوَجِّهُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11].

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ:

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] الْآيَةَ.
فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَجْمَعُ الْعُلَمَاءُ: عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِنَّ هَذَا عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّسْخِ فَقَالَ: هَذَا هُوَ إِطْلَاقُ التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَخَ بِآيَةٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] قَالَ: نُنْسِهَا نُطْلِقُ لَكُمْ تَرْكَهَا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ نَنْسَخْ وَنَنْسِي وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، فَإِذَا تَبَاعَدَتِ الدَّارُ وَاحْتِيجَ إِلَى الْمِحْنَةِ كَانَ عَلَى إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ إِقَامَةُ الْمِحْنَةِ.

.سورة الصَّفِّ، وَالْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَالتَّغَابُنِ، وَالطَّلَاقِ، وَالتَّحْرِيمِ:

قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ هَذِهِ السُّوَرَ، مَدَنِيَّاتٌ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ.
وَحَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سُورَةَ الصَّفِّ، نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَ سُورَةَ التَّغَابُنِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ إِلَّا آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَفَاءَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَأَنَّ سُورَةَ الطَّلَاقِ، وَالتَّحْرِيمِ، مَدَنِيَّتَانِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ السُّوَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] وفيهنَّ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمَلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ نَاسِخٌ لِحُكْمِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ.
فأما الْمُطَلَّقَةُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي حَكْمِهَا: أَنَّهَا إِذْ وَلَدَتْ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَمِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: عِدَّتُهَا آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِذَا وَلَدَتْ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ بَعْدَ تِلْكَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَكَذَا السُّنَّةُ.

.سورة الْمُلْكِ، ونُونَ، وَالْحَاقَّةِ، وسَأَلَ سَائِلٌ، ونُوحٍ، وَالْجِنِّ:

قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ فَهُنَّ مِكِّيَّاتٌ.
فِيهِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج: 5] مَذْهَبُ ابْنِ زَيْدٍ: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، وَأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، فَلَمَّا أَمَرَ بِالْقِتَالِ أَمَرَ بِالْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَرَدَّ عَلَيْهِ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ صَابِرًا عَلَيْهِمْ صَبْرًا جَمِيلًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ خِلَافٍ وَقْتٌ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ.
وفيهنَّ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي سُورَةِ وَالذَّارِيَاتِ بِمَا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى زِيَادَةٍ.

.سورة الْمُزَّمِّلِ:

حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا فَإِنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِّ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] إِلَى آخِرِهَا.
فِيهَا مَوْضِعَانِ:
الموضع الأول:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] الْآيَةُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَدْبًا وَحَضًّا، وَأَنْ يَكُونَ حَتْمًا وَفَرْضًا، غَيْرَ أَنَّ بَابَهُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا وَفَرْضًا إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالدَّلَائِلُ تُقَوِّي أَنَّهُ كَانَ حَتْمًا وَفَرْضًا وَذَلِكَ أَنَّ النَّدْبَ وَالْحَضَّ لَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ اللَّيْلِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ قِيَامَهُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِ وَقْتٌ دُونَ وَقْتٍ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ التَّوْقِيفُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - وَجَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَتْمًا وَفَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ فَجَاءَ التَّوْقِيفُ: بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ نُسِخَ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: انْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي بِقِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟، قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ الْقِيَامَ فِي أَوَّلِ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ فَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فِي أَخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُخْتَصَرٌ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ نُسِخَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ حَوْلًا يُبَيِّنُ لَكَ مَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِمَّا يُشْكَلُ عَلَى قَوْمٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: صَلُّوا كَذَا إِلَى حَوْلٍ، أَوْ قِيلَ لَهُمْ: صَلُّوا كَذَا ثُمًّ نُسِخَ بَعْدُ فَقَدْ كَانَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: صَلُّوا كَذَا أَنَّهُ إِلَى وَقْتِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّسْخُ.
وَقُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَيَعْلَى، قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَتْ آخِرُهَا وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَبَيْنَ آخِرِهَا نَحْوٌ مِنْ سَنَةٍ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِّ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [المزمل: 20] إِلَى آخَرِهَا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَمَضَانَ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: وَمِمَّا نَقْلَ بَعْضُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلَا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 2] ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ فَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِّ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثُهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20] إِلَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل: 20] وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ نِصْفِهِ إِلَّا قَلِيلًا أَوِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: {أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِّ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20] فَخَفَّفَ فَقَالَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] إِلَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ وَالنُّقْصَانِ مِنَ النِّصْفِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ثُمَّ احْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ثَابِتًا لِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ فَرَضٌ غَيْرُهُ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ فَرْضًا مَنْسُوخًا أُزِيلَ بِغَيْرِهِ كَمَا أُزِيلَ بِهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، فَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً} [الإسراء: 79] أَنْ يَتَهَجَّدَ بِغَيْرِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ الْوَاجِبُ طَلَبُ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَا وَاجِبَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَا الْخَمْسَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ:
وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي:
فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هُجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] قَالَ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ أُمِرَ بَعْدُ بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ فَنَسَخَتْ آيَةُ الْقِتَالِ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنَ التَّرْكِ.